30 - 04 - 2025

ملامح | "ماسبيرو زمان" أفضل من دراما تشويه مصر

ملامح |

قبل عقد مؤتمر (مستقبل الدراما في مصر) والمقرر له الثلاثاء 22 أبريل 2025، لمناقشة أزمة صناعة الدراما التي شوهت المجتمع المصري، خلال شهر رمضان الفضيل، والتي تركزت حكاياتها على كل ما هو غير مشروع، وشعرنا أن رجال الأعمال تقف وراءهم تجارة غير مشروعة، فضلاً عن القتل والأكشن.

والسبب أن القائمين على الدراما يفضلون التعامل مع مجموعة من الهواة، أو أنصاف الموهوبين، علماً بأننا نمتلك كتاب سيناريو ومخرجين ذوي قيمة، ولكنهم يعيشون في كهف النسيان المتعمد، ومن الأسباب أيضا حكر إنتاج الدراما لمجموعة من التجار، يهدفون لتحقيق الأرباح، ولا يفرق معهم المضمون، وذلك بعد أن تم بتر اتحاد الإذاعة والتليفزيون من الإنتاج الدرامي والسينمائي، وترك الساحة لتجار اللحوم وغيرهم من التجار، وإبعاد أصحاب المهنة الحقيقيين..

أتذكر رمضان زمان عندما كانت الدراما خاضعة لماسبيرو، كانت هناك مسلسلات دينية مثل "محمد رسول الله" الذي روى قصة الأنبياء من آدم عليه السلام حتى خاتم المرسلين، ومسلسل "لا إله إلا الله" المسلسل الديني التاريخي الذي تناول تاريخ مصر القديمة، وقصة إدريس عليه السلام، حتى دخول الإسلام مصر، في أجزاء ذلك المسلسل عرفنا أن "السيدة هاجر" أم نبي الله إسماعيل أبي العرب، أميرة مصرية أسرها الهكسوس عندما احتلوا مصر.. ومن المسلسلات التاريخية أيضا المسلسل الذي حكى لنا قصة الأمير "قطز" هازم التتار، بخلاف المسلسلات التاريخية التي عرفتنا بعالم مصري جليل هو الإمام "الليث بن سعد" الذي لم يدون هو وتلاميذه علمه، ولو حدث ذلك لكان صاحب خامس مذهب إسلامي، بعد مالك وابن حنبل وأبي حنيفة والشافعي، وكذلك "ذو النون المصري" وهو ثوبان بن إبراهيم الإخميمي نسبة إلى مدينة "أخميم" بمحافظة "سوهاج" التي ولد بها، والمكنى بأبي الفيض، والذي فك رموز اللغة الهيروغليفية قبل العالم الفرنسي "شامبليون"، وقام بتفسير الكتابات المصرية على جدران المعابد، التي أكدت أن المصري القديم كان يعلم بالحساب والعقاب والجنة والنار، وقد جسد شخصية "ذي النون"، الفنان الراحل "ممدوح عبد العليم". ذلك بخلاف المسلسلات التاريخية التي تحكي تاريخ مصر الحديث مثل "ليالي الحلمية"، الذي تناول حياة المصريين منذ الملكية حتى مابعد الانفتاح الاقتصادي..  و"أوراق مصرية" وهو مسلسل من 3 أجزاء يتناول الأحداث السياسية في مصر، بداية من حُكم الملك فؤاد، ومن بعده الملك فاروق.. تعرض القصة الصراعات في الحرب العالمية الأولى، وحركة المقاومة الشعبية ضد المستعمر البريطاني، وحتى وفاة عبد الناصر سنة 1970. وهو مسلسل شارك فيه ما يزيد عن 350 ممثلا وممثلة، وكان من المقرر أن يتم عمل جزء رابع، يحكي عن فترة حكم السادات منذ توليه سنة 1970 وحتى اغتياله في أكتوبر 1981، ولكن لم يتم لأسباب مجهولة، وهو من تأليف طه حسين سالم، وبطولة صلاح السعدني "عبد العال زيدان".

وأين حكايات الرجل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه؟ مثل قصة إحسان عبد القدوس "لن أعيش في جلباب أبي" والتي جسدها الفنان نور الشريف "عبد الغفور البرعي".. و"الشهد والدموع" و"المال والبنون" وتعلمنا منهما أن المال الحرام وأكل حق اليتامى يدخل بالخراب على مرتكبه، وتدفع ذريته الثمن؛ لأنها أطعمت من حرام.. وأين "أبو العلا البشري" الرجل صاحب المبادئ الذي يسعى لإصلاح ما أفسده الانفتاح الاقتصادي، وتغير السلوك المصري؟ النماذج كثيرة لا تعد ولا تحصى..

تتذكرون مسلسل "رحلة المليون" الكوميدي الاجتماعي؛ الذي روى حكاية الشاب الريفي "سنبل" القادم من الريف بحثا عن فرصة عمل، فينصب عليه رجل الأعمال "لطفي" الذي لديه خال سنبل ويسرق كليته، ولكن الشاب الريفي يسعى وراء حلمه فيصبح مليونيرا، ويطارد لطفي الذي لم يحسن استخدام أصوله، فاضطر للإستدانة وبيع أصوله، وهنا جملة شهيرة لازالت تتداول "بيع يا لطفي".  

بالنسبة للبرامج.. أين مثلاً برامج الأطفال التي كانت تعلمنا الأخلاق والفضيلة من خلال قصص واقعية وتاريخية، وتحكي لنا قصص الأولين من العلماء، والمفكرين، والكتاب، والزعماء المناضلين من أجل تحرير الوطن؟ وأين فوازير "عمو فؤاد" للأطفال في رمضان، التي تناولت التاريخ والعلم والطبيعة؟ وأين "عالم الحيوان" و"نور على نور" الذي تعرفنا من خلاله على الشيخ الشعراوي؟ لقد قدم التليفزيون المصري منذ نشأته في 21 يوليو 1960، العديد من البرامج الثقافية، التي شكلت وعي المواطن المصري وعملت على رفع مستوى الفكر، من خلال برامج حوارية، وبرامج علمية تقدم المعلومة، وبرامج ترفيهية راقية يستفيد منها المواطن.

كانت مسلسلات وبرامج تعلمنا منها التاريخ وقصصا مرتبطة بالواقع استفدنا منها الكثير.. مسلسلات تناولت شخصيات تاريخية كنا لا نعرفها، كانت دراما تحترم مصر وتاريخها وصورتها، وبرامج ثقفتنا، فسكنت عقول وقلوب العرب والمصريين.. تعرفون أفضل شيء تفعلونه هو مشاهدة "ماسبيرو زمان" ودعكم من دراما العصابات واللصوص، التي صرفت عليها الملايين لتشويه صورة مصر والمصريين، وبرامج لا تسمن ولا تغني من ثقافة.
---------------------------
بقلم: محمد الضبع


مقالات اخرى للكاتب

ملامح |